موسى بن نصير.. كاريزما القائد وأخلاق الجندي
مع بداية العصر الأموي أصبحت الجندية مهنة في إطار جيش قريب من الحالة النظامية في تراتبية قائمة على الأقدمية في سلك الجندية والتمتع بالقدرات القيادية، ومع هذه التطورات أصبحت شخصية موسى بن نصير تمثل الجيل الجديد من العسكرية الإسلامية، فهو مقاتل من طراز رفيع يمكنه أن يتحكم بالجيوش الكبيرة وأن يبني وجهة نظر استراتيجية قائمة على خبرات مكتسبة استمدت من تجارب الفتح الإسلامية في الشام والعراق، ومعرفة بجنوده وإمكانياتهم وطريقة استثمارهم في المواقع الجغرافية والظروف المناخية المختلفة، بعبارة تلخص ما سبق كله، كان عسكريا سابقا لزمانه بالفعل كما يبتدى من قراءة سيرته في المصادر المختلفة، كما أنه كممثل للعسكرية العربية فإنه يعد من القادة البحريين القلائل الذين تمكنوا من إدارة المعارك في البحر وغزو جزر المتوسط ليكون من مؤسسي البحرية الإسلامية، وهي خطوة متقدمة في تاريخ أمة خرجت من الصحراء وبقيت علاقتها مع الحركة البحرية بالغة المحدودية.
هذه الظروف ساعدت على تكوين الجانب الفني من شخصيته، ولكن جانبا آخر لم يكن لأحد أن يتميز به في ذلك الزمن وهو بناء العقيدة القتالية والحفاظ على استقلالية جيشه وتحييده عن التدخل في الصراعات البينية بين الأمويين وخصومهم في داخل البيت الإسلامي، وهي مسألة ورثها عن والده نصير بن عبد الرحمن السبي الذي أعتق لبني أمية ثم عمل في الشرطة مع معاوية ورفض أن يقاتل في صفين أو غيرها من المواقع التي شاعت فيها الفتنة، وفي ظل هذه النشأة الطيبة تطورت شخصية موسى الذي التحق بالجندية وكانت أولى مهامه مناطة من معاوية بن أبي سفيان الذي كلفه بإعادة السيطرة على قبرص من جديد، وتطورت طموحاته بعد ذلك ليتمكن في مهمته تلك من الوصول إلى أكثر من جزيرة في المتوسط والسيطرة عليها، ليكلف بمهمة كبيرة بعد ذلك تحتاج إلى شخصية فذة في التعامل معها، ففي أفريقيا أخذت الأمور تدخل في منحى معقد خاصة في التعامل مع البربر وطموحات البيزنطيين وغيرهم من شعوب المتوسط السيطرة على المستوطنات الرومانية في شمال افريقيا.
لم يواجه الفتح الإسلامي مشكلات كبيرة في توغله بشمال افريقيا، ولكن مرحلة ما بعد الفتح ألقت الكثير من التحديات، فهذه المنطقة المتسعة والمعقدة جغرافيا حبلت بثورات متعددة من قبل البربر سكان المنطقة الأصليين، ولم تكن المسألة في إخماد تلك الثورات العنيفة وأنما في استيعاب البربر ودمجهم في مؤسسات الدولة الإسلامية، إلا أن المرحلة الأولى التي عمد لها القائد المحنك قامت على ضربات واسعة ومكلفة للبربر مكنته من تطويقهم ووضعهم أمام واقع جديد يقزم من طموحاتهم في المواجهات مع الجيش العربي، وفي الوقت ذاته استغل خبرته في المعارك البحرية ليجهز أثناء اقامته في القيروان الحملات لغزو الجزر الواقعة في وسط البحر الأبيض، فتمكن من غزو صقلية وسردينيا وغيرها من الجزر، الأمر الذي جعله يتمكن من توجيه ضربات استباقية للأوروبيين تجعلهم ينصرفون عن محاولة مهاجمة المسلمين لتأمين حدودهم من الحملات المتكررة التي تستهدفهم.
في تلك الأثناء تمكن موسى بن نصير من إخضاع منطقة المغرب بالكامل وأصبح يمثل قوة مؤثرة على أطرف شبه الجزيرة الأيبيرية التي تضج بالمشكلات في تلك الفترة، وكان وجوده جنوبا بالإضافة إلى سيطرته على جزر البليار الواقعة قبالة الساحل الشرقي لأسبانيا عاملا مهما لتحريك طموحات المسلمين تجاه الدخول إلى ذلك العالم المجهول بالنسبة للمسلمين، ولكنه لم يتخير جنود الحملة الأولى من العرب، فجنوده العرب حصلوا على كثير من المهام في تلك المرحلة في المتوسط جنوا من خلالها مغانم كبيرة، كما أنهم سيضطرون لخوض تجربة صعبة في بيئة جبلية كثيفة الغابات تتشابه إلى حد ما مع المغرب الأقصى، وأخيرا فإن أفضل وسيلة للتعامل مع أهالي شمال افريقيا هي دمجهم في الجيش الإسلامي، لذلك توجه للبربر وتحت قيادة واحد منهم ليكونوا قوام الفتح في الأندلس، هي مغامرة غير محسوبة بالنسبة لأي قائد آخر، ولكن الكاريزما الشخصية التي يتمتع بها ابن نصير وتجربته الإدارية والعسكرية في العراق والبحر المتوسط جعلته يمضي في خياره ليتمكن من تمهيد الأجواء لإندفاع الجيوش الإسلامية العربية والبربرية إلى الأندلس لتصبح في فترة وجيزة إمارة أموية.
هذه الانتصارات جعلت موسى بن نصير على قمة المجد في الدولة الأموية ليعود إلى دمشق بعد الفتح محملا بثمار إنجازه التاريخي ويدخله كالفاتحين ليلقى الخليفة الوليد بن عبد الملك في أيامه الأخيرة حيث يكرمه ويقربه، إلا أنه يذهب بعد ذلك ضحية لاستراتيجية سليمان بن عبد الملك التي قصدت تقليم قوة الفاتحين العسكريين ليلقى موسى بن نصير نصيبه من هذه المحنة دون أن يحاول استخدام ذلك لتأليب الناس على الخليفة وإحداث الفتنة ودون أن يحاول الهروب من دمشق إلى المغرب الذي يمكنه أن يستعيد السيطرة عليه لو وظف البربر لتلك الغاية تحت قيادته العسكرية الفذة، ولكنه رضي أن يقف في الشمس ويتحمل التعذيب من سليمان الذي طالبه بأموال طائلة أيضا كانت خارج طاقته لأنه لم يكتسب شيئا لنفسه، ويعود سليمان عن ذلك السلوك مع ابن نصير حين يدرك أنه لم يكن مناصرا للوليد أو معنيا بحملة الأخير لخلعه من ولاية العهد، ليكرم موسى من جديد ويقربه منه حيث يموت ابن نصير بعد حياة حافلة أثناء رفقته للخليفة في رحلة للحج في قريبا من نهاية المئوية الأولى في الإسلام.
مع بداية العصر الأموي أصبحت الجندية مهنة في إطار جيش قريب من الحالة النظامية في تراتبية قائمة على الأقدمية في سلك الجندية والتمتع بالقدرات القيادية، ومع هذه التطورات أصبحت شخصية موسى بن نصير تمثل الجيل الجديد من العسكرية الإسلامية، فهو مقاتل من طراز رفيع يمكنه أن يتحكم بالجيوش الكبيرة وأن يبني وجهة نظر استراتيجية قائمة على خبرات مكتسبة استمدت من تجارب الفتح الإسلامية في الشام والعراق، ومعرفة بجنوده وإمكانياتهم وطريقة استثمارهم في المواقع الجغرافية والظروف المناخية المختلفة، بعبارة تلخص ما سبق كله، كان عسكريا سابقا لزمانه بالفعل كما يبتدى من قراءة سيرته في المصادر المختلفة، كما أنه كممثل للعسكرية العربية فإنه يعد من القادة البحريين القلائل الذين تمكنوا من إدارة المعارك في البحر وغزو جزر المتوسط ليكون من مؤسسي البحرية الإسلامية، وهي خطوة متقدمة في تاريخ أمة خرجت من الصحراء وبقيت علاقتها مع الحركة البحرية بالغة المحدودية.
هذه الظروف ساعدت على تكوين الجانب الفني من شخصيته، ولكن جانبا آخر لم يكن لأحد أن يتميز به في ذلك الزمن وهو بناء العقيدة القتالية والحفاظ على استقلالية جيشه وتحييده عن التدخل في الصراعات البينية بين الأمويين وخصومهم في داخل البيت الإسلامي، وهي مسألة ورثها عن والده نصير بن عبد الرحمن السبي الذي أعتق لبني أمية ثم عمل في الشرطة مع معاوية ورفض أن يقاتل في صفين أو غيرها من المواقع التي شاعت فيها الفتنة، وفي ظل هذه النشأة الطيبة تطورت شخصية موسى الذي التحق بالجندية وكانت أولى مهامه مناطة من معاوية بن أبي سفيان الذي كلفه بإعادة السيطرة على قبرص من جديد، وتطورت طموحاته بعد ذلك ليتمكن في مهمته تلك من الوصول إلى أكثر من جزيرة في المتوسط والسيطرة عليها، ليكلف بمهمة كبيرة بعد ذلك تحتاج إلى شخصية فذة في التعامل معها، ففي أفريقيا أخذت الأمور تدخل في منحى معقد خاصة في التعامل مع البربر وطموحات البيزنطيين وغيرهم من شعوب المتوسط السيطرة على المستوطنات الرومانية في شمال افريقيا.
لم يواجه الفتح الإسلامي مشكلات كبيرة في توغله بشمال افريقيا، ولكن مرحلة ما بعد الفتح ألقت الكثير من التحديات، فهذه المنطقة المتسعة والمعقدة جغرافيا حبلت بثورات متعددة من قبل البربر سكان المنطقة الأصليين، ولم تكن المسألة في إخماد تلك الثورات العنيفة وأنما في استيعاب البربر ودمجهم في مؤسسات الدولة الإسلامية، إلا أن المرحلة الأولى التي عمد لها القائد المحنك قامت على ضربات واسعة ومكلفة للبربر مكنته من تطويقهم ووضعهم أمام واقع جديد يقزم من طموحاتهم في المواجهات مع الجيش العربي، وفي الوقت ذاته استغل خبرته في المعارك البحرية ليجهز أثناء اقامته في القيروان الحملات لغزو الجزر الواقعة في وسط البحر الأبيض، فتمكن من غزو صقلية وسردينيا وغيرها من الجزر، الأمر الذي جعله يتمكن من توجيه ضربات استباقية للأوروبيين تجعلهم ينصرفون عن محاولة مهاجمة المسلمين لتأمين حدودهم من الحملات المتكررة التي تستهدفهم.
في تلك الأثناء تمكن موسى بن نصير من إخضاع منطقة المغرب بالكامل وأصبح يمثل قوة مؤثرة على أطرف شبه الجزيرة الأيبيرية التي تضج بالمشكلات في تلك الفترة، وكان وجوده جنوبا بالإضافة إلى سيطرته على جزر البليار الواقعة قبالة الساحل الشرقي لأسبانيا عاملا مهما لتحريك طموحات المسلمين تجاه الدخول إلى ذلك العالم المجهول بالنسبة للمسلمين، ولكنه لم يتخير جنود الحملة الأولى من العرب، فجنوده العرب حصلوا على كثير من المهام في تلك المرحلة في المتوسط جنوا من خلالها مغانم كبيرة، كما أنهم سيضطرون لخوض تجربة صعبة في بيئة جبلية كثيفة الغابات تتشابه إلى حد ما مع المغرب الأقصى، وأخيرا فإن أفضل وسيلة للتعامل مع أهالي شمال افريقيا هي دمجهم في الجيش الإسلامي، لذلك توجه للبربر وتحت قيادة واحد منهم ليكونوا قوام الفتح في الأندلس، هي مغامرة غير محسوبة بالنسبة لأي قائد آخر، ولكن الكاريزما الشخصية التي يتمتع بها ابن نصير وتجربته الإدارية والعسكرية في العراق والبحر المتوسط جعلته يمضي في خياره ليتمكن من تمهيد الأجواء لإندفاع الجيوش الإسلامية العربية والبربرية إلى الأندلس لتصبح في فترة وجيزة إمارة أموية.
هذه الانتصارات جعلت موسى بن نصير على قمة المجد في الدولة الأموية ليعود إلى دمشق بعد الفتح محملا بثمار إنجازه التاريخي ويدخله كالفاتحين ليلقى الخليفة الوليد بن عبد الملك في أيامه الأخيرة حيث يكرمه ويقربه، إلا أنه يذهب بعد ذلك ضحية لاستراتيجية سليمان بن عبد الملك التي قصدت تقليم قوة الفاتحين العسكريين ليلقى موسى بن نصير نصيبه من هذه المحنة دون أن يحاول استخدام ذلك لتأليب الناس على الخليفة وإحداث الفتنة ودون أن يحاول الهروب من دمشق إلى المغرب الذي يمكنه أن يستعيد السيطرة عليه لو وظف البربر لتلك الغاية تحت قيادته العسكرية الفذة، ولكنه رضي أن يقف في الشمس ويتحمل التعذيب من سليمان الذي طالبه بأموال طائلة أيضا كانت خارج طاقته لأنه لم يكتسب شيئا لنفسه، ويعود سليمان عن ذلك السلوك مع ابن نصير حين يدرك أنه لم يكن مناصرا للوليد أو معنيا بحملة الأخير لخلعه من ولاية العهد، ليكرم موسى من جديد ويقربه منه حيث يموت ابن نصير بعد حياة حافلة أثناء رفقته للخليفة في رحلة للحج في قريبا من نهاية المئوية الأولى في الإسلام.